Search
Close this search box.

الوسم اللغوي الجغرافي لقراءات المصحف الكريم وأحرفه وآثار العولمة على تعدديتها او انكماشها

د. سفيان الكرجوسلي و د. آن والة،

جامعة تور و جامعة رين الثانية، فرنسا

إن تطور العلوم اللغوية الذي وصلنا إليه اليوم لم يكن ممكناً إلّا نتيجة لتفاعلها مع العلوم الأخرى، اجتماعية كانت أم طبيعية، مما دفعنا إلى تقديم هذه الورقة البحثية التي تسعى إلى بناء جسور بين عِلمين مهمّين هما الجغرافيا وعلم اللغة. هذه الجسور تتخذ مفهومين أساسين كقاعدة لها وهما: الوسم اللغوي والوسم الجغرافي. الأول يشير الى مسألة تحديد تعددية القراءات والأحرف وكذلك ليونة اللغة والثاني يُعنى بتحديد المواقع الجغرافية التي تتأقلم اللغة معها وتعكسها.  سنحاول بداية أن نبحث عن كل ما يشير إلى تحديد مواقع جغرافية معينة عبر مسألة تنوع قراءات أحرف المصحف الكريم وتعددها ثم سنشتغل على تحديد ما يترتب على عملية الربط بين هذين المجالين من رؤية جديدة لهذه المسألة. إن تلك الإشارات الجغرافية ستكون مجال بحث آن والة الذي سيساعدنا من جهة على القيام بما يسميه أهل الجغرافية بـ (Géolocalisation) أي الوسم الجغرافي الذي سيربط بين عملية تأقلم اللغة مع المواقع الجغرافية والثقافية والاجتماعية التي يحلّ بها هذا النص وليس العكس. أما الوسم اللغوي والذي سيقع تحديده على عاتق سفيان الكرجوسلي فإنه سيجعلنا نلمس أحد معجزات لغة خطاب المصحف الكريم عبر لغة تتطّبع بطابع أهل البلاد التي تحلّ بها وأحياناً تتجذر مع فكر ونَفْس القارئ والمستمع بحيث تدفع به وبشكل غير مباشر إلى فهم آخر لهذا المصحف الكريم. إن هذه الليونة اللغوية التي تميّز بها النص القرآني لا مثيلَ لها في أي حضارة أخرى وبقيت على مرّ العصور حكراً على الحضارة العربية الإسلامية. إن تعددية هذه الأحرف وتلك القراءات مسألة ذات حدين فهي نعمة ونقمة بآن معاً وطريقتنا في التعامل معها غالباً ما تعكس مستوى تعاملنا مع هذا الإرث المتعدد ممّا قسم المسلمين، بين شيعة وسنة، حول ما هو أصحّ هذه الأحرف أو ما هو أفضل هذه القراءات. إنّنا لن ندخل في هذا الجدل الديني في بحثنا هذا وكما أننا لن نرى عبر تنوع مواقف المسلمين دليلاً على انقسامهم بل إن هذا الأمر لا يدلّ إلّا على تعددية فكرهم وغناه. إن هذه التعددية في الأحرف والقراءات والتلاوات لهذا المصحف الكريم ليست بالنسبة لنا إلّا عبارة عن مرآة تعكس فكر الشعوب التي تردد نصوص هذا المصحف الكريم وروحها وهويتها. فمحور اهتمامنا هو هذه الليونة اللغوية التي قد بدأت تعاني في زماننا من مرض أصابها ألا وهو مرض التقوقع والتكلس والانكماش اللغوي. فعصرنا الحاضر وتحت ضغط العولمة أنبت حرفاً واحداً وقراءة واحدة لا بل وفهماً واحداً لهذا المصحف الكريم. إن هذا الشكل للعولمة يبعدنا عن التراث الديني واللغوي المتعدد ويُلغي جدلية الليونة اللغوية وتعددية أحرف وقراءات هذا المصحف الكريم اللتين وإن اختلطتا أحياناً إلّا أنهما يعبران معاً عن مسألة الجدل الصاعد والهابط التي طالما عرفها الفكر الإسلامي.

الملخص أعلاه جزء من المقالة التي تم قبولها في المؤتمر الدولي السنوي الرابع حول القضايا الراهنة للغات، علم اللغة، الترجمة و الأدب (WWW.LLLD.IR) ، 2-1 فبرایر2020 ، الأهواز.