تداعيات المنفى في شعر عبد الكريم هداد

د. علي جاسم سلمان محمد الغراوي

متقاعد، قسم اللغة العربية،  كلية التربية الأساسية، الجامعة المستنصرية، العراق

الإنسان ابن بيئته التي نشأ فيها، وحين يغادرها يشعر أن انسانيته أصيبت بثلمة؛ وقد يغادر وطنه بحثاً عن ملاذ آمن، يسد عوزه الانساني حين يتصارع عنده الوعي، وما يحيط به؛ فيعمل على مغادرته – طوعاً أو كرهاً -؛ ولكنه يبقى مشدوداً بالحنين إلى منبع النشأة، فتصاب نفسه بندوب الغربة، والتيه ويسرح في ماضي أُرومته، ومرايا الخيال، فيسوح بعيداً تلذذاً؛ لتأنس ذاته بالمزروع في ذاكرته. والمنفي عن وطنه به حاجة إلى من يقوده من المجرد إلى المشخص؛ إذ لا يغني الوجود المجرد في الذاكرة؛ ولكن لا حيلة؛ فالدفء والامان صارا حلماً مخيفاً؛ إذ زال البيت، وتهدم المكان، ولم تبق إلّا الذكرى. وهذا مصداق يمكن أن نلتمسه، وقد تلبس شاعرنا (عبدالكريم هداد)؛ إذ عانى في وطنه، وفي غربته، وهو يبحث عن مهد طفولته في عالم الخوف، والتسلط. في المنفى حمل ألم وعيه المبكر، هارباُ من الجلاد، والحصار الثقافي والفكري. شاعر عراقي من جنوب العراق، ولد في مدينة السماوة سنة 1961/م، وامضى طفولته فيها، وشطراً من شبابه. سماوة الشاعر بلدة النخيل على الفرات تبسط  ذراعيها، وقد خطت على مدى التاريخ ملامح خالدة في حضارة عريقة. إنَّ نصوص هداد الشعرية تفصح عن تجربة شعرية منذ فتوته، وقد جعل الشعر صاحباً حمل مواجعه، وأحلامه، وقلقه، وقد رسم شعره ملامح سيرته التي تناثرت بين ضياع أحلامه في وطنه، وفي المنافي. نمت شخصيته الفكرية والثقافية في وقت مبكر على الرغم من عدم انتمائه إلى التحزب السياسي؛ ولكنه تعرض للاعتقال في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، ثم غادر البلاد متسللاً إلى الكويت ومنها الى سورية، حتى حط رحاله في السويد، ليكون منفاه الاخير، وموطنه الجديد بعد عناء، وتعب، وهجرة قاسية.لم يستسلم شاعرنا الى الخسارات الموجعة، إذ حاول تجاوزها متكئاً على آلامه، وهو يحمل هموم غربته، باحثاً عن أمكنة استقرار، بعد أن نأت الديار والأهل والأحبة، وظلت مزدحمة في الذاكرة، هواجس استنفرها المنفى: (أين/ سأزرع حديقتي/ وهذا الهاجـــس/ يكسر خاطــري/ مدراراً). ولا بد من الاشارة إلى ظاهرة (( الشجن)) التي أخذت مساحة واسعة في منجز هداد الشعري بصورة مكثفة؛ بلا صراخ أو حزن؛ بل كان يهمس، ويغضب، وهذا ((الشجن)) تجده في شعر التفعيلة (الحر)، وفي النص النثري، والنص الغنائي والقصيدة (الشعبية) بلهجة بيئته السماوية، وبنواميس أهلها، ضمن معمارية تتسع الصور الفنية المتحركة، والساكنة، والمركبة: (العمر ممشى وتطشينـــا/ الدرب يلهث حزن ياذي/ وعثرات الوكت مَمْشاك/ بحجر فشخات ترمينـــا/ وتِبَدِّينا …).

الكلمات المفتاحية: تداعيات، هداد، السماوة، المنفى، السويد.

 

الملخص أعلاه جزء من البحث التي تم قبوله في المؤتمر الدولي العاشر حول القضايا الراهنة للغات، علم اللغة، الترجمة و الأدب (WWW.TLLL.IR) ،  1-2 فبرایر 2025 ، الأهواز.